روائع مختارة | قطوف إيمانية | عقائد وأفكار | التربية.. على الولاء والبراء

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > عقائد وأفكار > التربية.. على الولاء والبراء


  التربية.. على الولاء والبراء
     عدد مرات المشاهدة: 3573        عدد مرات الإرسال: 0

يجهد البعض في سبيل وضع مفهوم الولاء والبراء ضمن خانة المفاهيم التي لا يجدر بالمجتمع الإسلامي المعاصر أن يستوعبها فكرا وممارسة لاعتبارين مزعومين هما، دعواهم أن الإنسانية بلغت حالة من النضج التي تتيح لها أن تتعالى على كل اختلاف عقيدي أو مذهبي، لتتبنى قيم التعايش والتسامح ونبذ الخلاف والانغلاق، والثاني دعواهم أن عقيدة الولاء والبراء تمثل إطارا مرجعيا لكل مظاهر الغلو والتعصب والكراهية، مما ينافي ما تعاقدت عليه الأمم من احترام حقوق الإنسان، وتقديس الحريات!!

 

وهما سببان متهافتان، ومصطنعان ولا شك، والحقيقة أن هذا الجهد لم يكن غير خطوة متقدمة لهدم الإسلام من الداخل، وتذويب شخصية المسلم، خصوصا وأن معتقد الولاء والبراء يمثل أوثق عرى الإيمان، واللحمة التي تضمن تماسك المجتمع، وتضبط حركته الوجدانية والسلوكية.

يُقصد بالولاء في الشريعة الإسلامية: محبة الله تعالى ورسوله، ونصرة دينه وأتباعه المؤمنين.

أما البراء فيُراد به: التبرؤ صراحة من كل ما يُعبد من دون الله تعالى، وبغض الكفر وأهله.

ولمكانة هذين الركنين فقد خصهما القرآن بعناية جليلة يؤكدها الحض عليهما في أزيد من ثلاثين سورة من القرآن الكريم. وهما ركنان أساسيان لتحقيق الإيمان واستكماله، وبدونهما تصبح العقيدة جوفاء، ويفقد الدين بعده الوظيفي في تشكيل سلوك الفرد والجماعة على السواء!

وقبل المضي في تجلية الفوائد التربوية لهذا المعتقد، لابد من الإشارة إلى أن ما ينطوي عليه الولاء من محبة، والبراء من عداوة هو نزوع فطري، وسنة كونية لازمة لأتباع كل دين ومذهب وليس وقفا على الإسلام وحده! فما من عقيدة أو مذهب أو حتى تيار فكري إلا وتجد له أتباعا يُوالونه، ويُعادون ما يُخالفه. غير أن للإسلام ميزة خاصة تكمن في عدم تعارض هذا المعتقد مع مبدأي الوسطية والتسامح، وحرصه على التمييز بين البراء وما يقتضيه التعايش مع غير المسلم.

إن التربية على الولاء والبراء تروم في الحقيقة تحصين الطفل من مخاطر الذوبان في هوية الآخر وقيمه، كما تؤهله للثبات على مبادئه، والاعتزاز بالانتساب لدينه والنهوض بواجباته دون أن يُهمل في الآن نفسه ما يفرضه التصور الإسلامي للعلاقة الإنسانية من تعارف وتعاون على البر والتقوى.

من هذا المنطلق، كان أول ما يطرقه المربي لتشكيل البناء النفسي للطفل هو درس العقيدة الذي يُرسخ في نفسه محبة الله ورسوله، ويُجلي له الحقيقة الإلهية بأسلوب تتشربه القلوب الناشئة قبل أن ينحسر في نظم التعليم الحديثة إلى درس لاهوتي مجرد، يستعرض واجب العبودية في صورة منفرة!

ويُجلي الباحث زياد مسعود (1) الأثر التربوي للولاء والبراء من خلال ما يُحققه من مكاسب للفرد والمجتمع على خمسة أصعدة:

* على الصعيد الروحي: تمكن تربية الطفل على الولاء والبراء من حمله على إخلاص العبودية لله، وصدق التوكل عليه، وبلوغ كمال الإيمان بخلع الولاءات القبلية والعنصرية، ونبذ الأحقاد التاريخية عملا بالتوجيه النبوي الشريف: «من أحب في الله، وأبغض في الله، وأعطى في الله، ومنع في الله فقد استكمل الإيمان» (2). كما تؤهله للاستقامة والثبات على الحق، واستحضار مراقبة الله في السر والعلن

* على الصعيد الفكري: للتربية على الولاء والبراء دورها الآكد في بناء العقلية الإسلامية المبدعة، وتفتيح المدارك الإنسانية من خلال حفز التفكير الموضوعي الذي ينأى بالفرد عن اتباع الهوى والتقليد الأعمى، كما يُوجه ملكات العقل لما فيه سعادة المؤمن في الدارين، كالتفكر والاعتبار، وتأسيس اليقين على أساس النظر والاستدلال السليم.

* على الصعيد النفسي والوجداني: للولاء والبراء أثر واضح في صفاء الوجدان، وتحرير الفرد من الأزمات النفسية، والانحرافات العاطفية. كما يحقق له الشعور بالعزة والأمن والسكينة، فلا تجتاله الوساوس المدمرة، ولا تنال المحن من سعادته الروحية.

أما ولاؤه لأخيه المؤمن فيحمله على تطهير قلبه من نوازع الشر والرذائل التي عادة ما توغر الصدر وتبذر الشقاء، كالحسد والبخل والبغضاء.

* على الصعيد الأخلاقي: يؤدي غرس الولاء والبراء في قلب وعقل الطفل إلى تحليه بالفضائل والأخلاق الحميدة، فيصبح رضا الله ورسوله معيارا موجها لسلوكه ومعاملاته. كما ترتبط منظومة القيم لديه بمدى استجابتها لأمر الله ورسوله.

* على الصعيد الاجتماعي: تحقق التربية على الولاء والبراء أعلى درجات التماسك بين أفراد المجتمع الإسلامي، فتشيع بينهم قيم التكافل والتناصر، وطرح العصبيات الجاهلية والنعرات القومية.

ولا تعارض هنا بين معتقد الولاء وروابط النسب واللغة والدم. لأن هذا المعتقد يؤسس لرابطة ربانية إيمانية تتوازن معها سائر الروابط وتتناسق حتى تكون مصدر خير وصلاح بدل أن تكون باعثا للفتنة والفساد.

مما سبق يتضح أن التربية على الولاء والبراء هي صمام الأمان إزاء حملات التغريب والتشكيك التي لا تكف عن زعزعة العقيدة، وإضعاف الروح المعنوية للأجيال الناشئة. بل إن استقراء الواقع التربوي في العالم الإسلامي يدفعنا للجزم بأن تجاهل الأبعاد التربوية لهذا المعتقد أثناء وضع الاستراتيجيات، وتخطيط المناهج أسهم بشكل كبير في تعميق حالة التبعية والارتباك والحيرة، بل وهيأ مبررا قويا للأطراف الخارجية كي تُلزم القائمين على الشأن التعليمي بتبني رؤى تربوية شوهاء، وإصلاحات قادت إلى المزيد من الهيمنة، والتحكم في مستقبل الأمة!

إن استعادة الشخصية الإسلامية بكل مقوماتها النفسية والروحية والعقلية لا يُمكن أن يتحقق فقط بإدراج هذا المعتقد ضمن مقرر التربية الدينية بالمدارس، وإن كان هذا المطلب مُلحا وآنيا، بل يتطلب الأمر إعادة بناء النظرية التربوية على أسس مستقاة من الكتاب والسنة، مع الأخذ بما استجد من التطبيقات والخبرات البشرية النافعة، هنا.. أوهناك!

كما يستدعي اعتماد التربية بالقدوة كوسيلة من أهم الوسائل التربوية لتكوين الفضائل والعادات الطيبة لدى الطفل. إذا يُلاحظ خلو المقررات الدراسية من نماذج للقدوة الصالحة وفي مقدمتها السيرة النبوية التي لا تحضر، مع كامل الأسف، إلا كمعطى تاريخي يفتقر لتلك الدفقة الشعورية، والصياغة المحركة لأوتار الوجدان!

ولا يفوتنا في الختام التأكيد على أن الأسرة المسلمة تتحمل القسط الأوفر من المسؤولية فيما يتعلق بغرس الولاء والبراء في سن مبكرة، وتوجيه اهتمام الطفل للمجالات التي تعزز صلته بدينه، وتُجنبه الانسياق خلف صور التيه الفكري والعقدي.

إن ما تطرحه العولمة اليوم من شعارات كالتعايش والحوار وغيره، لا يُمكن أن تتحقق على حساب التفريط في أصول الدين وثوابته. لذا فإن تربية الأجيال الناشئة على الولاء والبراء مدخل حيوي للتخلص من تأثير الهزيمة النفسية، والوثوق بالتأييد الإلهي. وصدق الله تعالى إذ يقول: {ومن يتولَ اللهَ ورسولَه والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون} [المائدة: 56]!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) زياد محمد حسن مسعود: رسالة لنيل الماجستير بعنوان (الأبعاد التربوية لمفهوم الولاء والبراء في الإسلام). كلية التربية بالجامعة الإسلامية. غزة 1423هـ.

(2) سنن أبي داوود. كتاب السنة. باب الدليل على زيادة الإيمان ونقصانه. حديث رقم 4681.

الكاتب: حميد بن خبيش.

المصدر: موقع المسلم.